في السرد العالمي للسياحة، طالما ارتبط اسم مصر بكونها أرض العجائب الخالدة، وموطن الأهرامات وأبو الهول والمعابد التي جذبت الزوار عبر آلاف السنين. لكن اليوم، تُكتب صفحة جديدة من الحكاية. فبعيدًا عن أصداء الحضارات القديمة، تبرز مصر كوجهة ديناميكية ورؤية طموحة في عالم السياحة الرياضية سريع النمو. لم تعد تُعرَّف فقط بتاريخها العريق، بل باتت توظف موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وطقسها المشمس طوال العام، وبنيتها الفندقية القوية، وشغفها العميق بالرياضة، لتضع نفسها على الخريطة كأحد أهم المراكز العالمية للرياضيين والفرق والجماهير ومنظمي الفعاليات الدولية.
ما يميز مصر في هذه المرحلة ليس فقط مناظرها الأيقونية أو إرثها الثقافي، بل هو الدمج المدروس والراقي لمرافق رياضية عالية المستوى ضمن، أو بجوار، فنادق فاخرة في مواقع حضرية وسياحية مميزة. من قلب القاهرة إلى شواطئ العلمين والغردقة وشرم الشيخ ومرسى علم، نسجت مصر منظومة متكاملة تتيح للرياضيين الجمع بين التدريب والتأهيل والمنافسة وبين رفاهية الفنادق الخمس نجوم ومرافق الصحة والاستجمام. هذه المنظومة لم تأتِ صدفة، بل هي ثمرة استثمارات استراتيجية ورؤية قيادية متبصرة وفهم عميق لاحتياجات السوق العالمية للسياحة الرياضية الآمنة والمستدامة.
في القاهرة، العاصمة تنبض بروح مزدوجة: ثقافية ورياضية. فإلى جوار الأهرامات، دمجت فنادق فاخرة مرافق رياضية بمعايير عالمية ضمن خدماتها، ما وفر بيئة تدريبية ملهمة لفرق قارية تستعد للمحافل الدولية. التدريب في مثل هذا المكان يتجاوز الجوانب البدنية، ليغدو تجربة نفسية وتحفيزية، حيث ينصهر الانضباط الرياضي مع عظمة التاريخ.
كما توفر فنادق أخرى على ضفاف النيل مسابح أولمبية ومراكز صحية متطورة، ما يجعلها وجهات مثالية للسباحين المحترفين ومعسكرات الاستشفاء الرياضي. وفي العاصمة الإدارية الجديدة، تنتشر فنادق راقية قرب أبرز المنشآت الرياضية مثل استاد القاهرة الدولي ومراكز تدريب المنتخبات الوطنية، لتصبح بمثابة قاعدة تشغيلية ولوجستية للفيدراليات الدولية والبطولات الإقليمية. لم تعد هذه الفنادق مجرد أماكن إقامة، بل تحولت إلى مراكز أداء متكاملة تدعم الرياضيين في كل مراحل الإعداد، من اللياقة البدنية وحتى الاستشفاء.
أما على ساحل البحر الأحمر، فيتجلى الطموح المصري للسياحة الرياضية بأبهى صوره. ففي الغردقة وشرم الشيخ، أعادت المنتجعات الفاخرة تعريف مفهوم الضيافة، لتصبح وجهات رياضية مكتملة، تضم ملاعب كرة قدم معتمدة، وأكاديميات للتنس، ومناطق تدريب للترياتلون، ومراكز مائية بمعايير دولية. هذه الوجهات باتت تستقطب أندية كرة القدم الأوروبية لإقامة معسكراتها الشتوية، مدفوعة بالمناخ المعتدل والشمس المشرقة على مدار العام.
استمرار العصر الذهبي للسياحة الرياضية في مصر
لم يقتصر الأمر على توفير مرافق التدريب والاستشفاء فحسب، بل باتت منتجعات البحر الأحمر وجهة مفضلة لاستضافة بطولات التحمل العالمية، بما في ذلك سباقات الترياتلون (Ironman الكامل والنصف)، حيث يتنافس الرياضيون عبر مسارات ساحلية خلابة تتنوع بين السباحة في المياه المفتوحة، وسباقات الدراجات ذات التحديات، والجري على الشواطئ الرملية. وإلى جانب المنافسة، توفر هذه المنتجعات منظومة دعم شاملة للرياضيين، تشمل العلاج الطبيعي، والاستشارات الغذائية، ومسارات صحراوية مثالية لتدريبات التحمل. والنتيجة تجربة متكاملة تمزج بين صرامة التدريب، والتركيز الذهني، والاستشفاء البدني في بيئة فاخرة واحدة. هذا الدمج السلس بين الرياضة والضيافة لا يعزز الأداء الرياضي فحسب، بل يعيد تعريف مفهوم الإعداد والمنافسة والاستشفاء في وجهة تجمع بين التميز والرقي.
أما بالنسبة للجماهير، فقد تغيّر المشهد بشكل عميق. لم يعد المشجع محصورًا في مقعده داخل الاستاد، بل أصبح بإمكانه الإقامة في نفس الفنادق التي تستضيف فرقه المفضلة، وحضور الحصص التدريبية المفتوحة، والمشاركة في مناطق الترفيه الخاصة بالمشجعين، إلى جانب الاستمتاع برحلات ثقافية منظمة إلى مواقع تاريخية مثل الأقصر وأبو سمبل ووادي الملوك. وهكذا يتحول حضور مباراة أو بطولة إلى رحلة متعددة الأبعاد، تجمع بين إثارة المنافسة وغنى الحضارة المصرية.
العائلات أيضًا تحظى بنصيبها، إذ تقدم المنتجعات أكاديميات رياضية للأطفال، ودروس سباحة، وأنشطة مغامرات، وبرامج ترفيهية تجعل من السياحة الرياضية في مصر تجربة شاملة، مشوقة، ولا تُنسى لمختلف الأعمار.
ويرتكز هذا النمو على بيئة مصرية آمنة ومستقرة بشكل لافت. فقد نفذت الدولة خلال السنوات الأخيرة إجراءات أمنية متطورة في جميع المناطق السياحية والرياضية، شملت نشر وحدات الشرطة السياحية، وتزويد المواقع بأنظمة مراقبة حديثة، وتطبيق بروتوكولات تفتيش صارمة في المطارات والفنادق والملاعب. وقد انعكست هذه الجهود في تحسن ترتيب مصر على مؤشر السلام العالمي 2023، حيث جاءت في مرتبة متقدمة مقارنة بعدد من الدول الأوروبية من حيث الأمان للزوار الدوليين. كما برهنت مصر على جاهزيتها عبر استضافة ناجحة لبطولات كبرى مثل كأس الأمم الإفريقية 2019، التي استقبلت أكثر من مليون مشجع دون أي حوادث تُذكر، ما أكد قدرتها على تنظيم الفعاليات الضخمة باحترافية ودقة.
ويُضاف إلى عامل الأمان ميزة الطقس المثالي، حيث تتمتع مصر بأكثر من 3200 ساعة من سطوع الشمس سنويًا وأكثر من 300 يوم خالٍ من الغيوم، مما يجعلها واحدة من أكثر الوجهات موثوقية في العالم للرياضات الخارجية. سواء تعلق الأمر بكرة القدم أو الترياتلون أو سباقات الدراجات أو الرياضات الشاطئية، يمكن للمنظمين التخطيط بطمأنينة، مع يقين أن احتمالية تعطل الفعاليات بسبب الطقس شبه معدومة.
زخم السياحة في مصر واضح وملموس. فبعد مرحلة التعافي، شهد القطاع انتعاشًا قويًا في أعداد الزوار. ففي عام 2022، استقبلت مصر 11.3 مليون سائح بإيرادات بلغت نحو 11.5 مليار دولار أمريكي. وفي عام 2023 ارتفع العدد إلى 14.2 مليون زائر، بعوائد بلغت 16.8 مليار دولار. أما التوقعات لعام 2024 فتشير إلى استقبال 17.5 مليون سائح بإيرادات استثنائية تقدَّر بـ21 مليار دولار.